إیران تلکس - منذ ساعات قليلة، خفّت حدة أصوات المعارك العنيفة بين إيران والکیان المحتل للحظات، وترددت همسات "وقف إطلاق النار" في أرجاء العالم. لكن يجب ألا ننخدع بالهدوء الظاهري لهذه اللحظات. هذا ليس سلامًا مستدامًا ولا علامة على الاستسلام؛ بل هو نقطة حساسة في تاريخ المنطقة يجب النظر إليها بدقة وعمق. ما نشهده اليوم ليس نهاية القصة، بل فصل جديد في المواجهات الإقليمية المعقدة.
هدنة أم سلام؟ تمييز حيوي
دعونا نحدد الخطوط الحمراء من البداية. تختلف الهدنة اختلافًا جوهريًا عن السلام. الهدنة تعني ببساطة وقفًا مؤقتًا للقتال وإطلاق النار؛ توقفًا قد يتحول في أي لحظة إلى لهيب حرب مرة أخرى. هذا التوقف، بدلاً من أن يكون رمزًا للهدوء، هو فرصة للطرفين لإعادة التنظيم وتجديد القوة.
أتذكر تلك الأيام التي كان فيها ترامب، بأسلوبه المنتصر، يتحدث عن استسلام إيران غير المشروط وتفكيك برنامجها النووي. حينها، قال الإمام الخامنئي (دام ظله) بحزم: "لا يوجد سلام مفروض".
اليوم، لم تستسلم إيران فحسب، بل أرسلت رسالة المقاومة وعدم الاستسلام إلى العالم من خلال هجماتها على القواعد الأمريكية في المنطقة والأهداف العسكرية في فلسطين المحتلة.
أهداف تحققت وأخرى فشلت
لتقييم نجاح أو فشل طرف في الحرب، يجب أن نعود إلى الأهداف التي أعلنها في بداية الصراع. نتنياهو، في بداية هذه المواجهة، تحدث صراحة عن "تدمير الجمهورية الإسلامية". هذا الادعاء لم يتحقق فحسب، بل جاء بنتائج عكسية؛ فقد عززت هذه الحرب الوحدة والتضامن الداخلي للشعب مع النظام أكثر من أي وقت مضى.
في المقابل، أكدت إيران على الدفاع عن كيانها الوطني وأمنها ومعاقبة المعتدي. إذا نظرنا إلى الأحداث بنظرة منصفة، فمن هو الطرف الذي اقترب من تحقيق أهدافه؟ كان أعداء الجمهورية الإسلامية يسعون إلى تفكيك البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، لكن ليس فقط لم تتحقق هذه المطالب، بل اتخذت إيران خطوة مهمة مثل تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أوراق إيران الرابحة: البرنامج النووي والقوة الصاروخية
كان العدو يعتقد أنه بهجماته يمكنه وقف البرنامج النووي الإيراني وتدمير منشآته. نعم، ربما وقعت بعض الأضرار الطفيفة، لكن النقطة الأساسية هي أن مخزونات اليورانيوم البالغة 400 كيلوغرام ومعدات التخصيب الإيرانية لا تزال قائمة وفي حوزة الجمهورية الإسلامية. هذه المخزونات والقدرات تلعب دورًا رادعًا رئيسيًا وتظهر أن حسابات العدو بشأن القدرات النووية الإيرانية كانت خاطئة تمامًا.
بالإضافة إلى ذلك، بما أن البرنامج النووي الإيراني (مؤقتًا على الأقل) أصبح خارج الرقابة المباشرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد أتيحت فرصة ذهبية للجمهورية الإسلامية لتحقيق الردع المطلوب من قبل الشعب الإيراني بالكامل. العدو لم يعد على علم بالمعلومات الحيوية لهذا البرنامج، وهذا يعتبر ميزة استراتيجية لإيران.
دروس الحرب ومستقبل المنطقة
جلبت هذه الحرب لإيران تجارب قيمة؛ سواء في المجال العسكري أو في مجال السياسة. ستسعى إيران فورًا بعد هذه الهدنة إلى إعادة بناء قدراتها وإصلاح أي عيوب محتملة. هذا الحدث سيؤثر أيضًا على المستقبل الداخلي للكيان الصهيوني، ويواجهه بتحديات كبيرة.
على نتنياهو الآن أن يجيب على الرأي العام لديه لماذا لم يتمكن من تدمير الجمهورية الإسلامية، ولماذا لم يتم القضاء على البرنامج النووي الإيراني، ولماذا واصلت إيران إطلاق صواريخها الفتاكة حتى اللحظة الأخيرة.
في الختام، حقيقة واضحة: لو كانت أمريكا والکیان الصهیوني تستطيعان تحقيق نتيجة أفضل من هذه الحرب، لكانتا بلا شك استمرتا فيها حتى تحقيق "النصر النهائي".
لكن الآن، ليس فقط هما، بل العالم بأسره، قد أدركوا أن البرنامج النووي الإيراني غير قابل للتدمير، وصواريخ إيران قوية ودقيقة، وأن التماسك الوطني الإيراني لا مثيل له.
هذه حقيقة يجب على أعدائنا الكبار قبولها وتصحيح أخطائهم الحسابية بخصوص "إيران العظمى".
هذه الهدنة ليست سلامًا مفروضًا، بل رمزًا لتغير ميزان القوى وبداية فصل جديد في الجيوسياسية الإقليمية.