إیران تلکس _ لطالما رُوّج في أدبيات المشروع الصهيوني لشعار "من النيل إلى الفرات" بوصفه حدًّا جغرافيًا تمثله خارطة التوسع الإسرائيلي، وهي خريطة ظهرت في الكتب، والعملات (كالشيكل الإسرائيلي)، وبعض الأدبيات الدينية اليهودية المتطرفة. اللافت أن هذه الخارطة لا تشمل إيران لا جغرافياً ولا ديموغرافياً، ولا تدخل ضمن التقسيمات التي رسمتها اتفاقيات مثل سايكس – بيكو التي قسمت المشرق العربي.
بقلم المستشار القانوني والاعلامي سالم حواس الساعدي
ومع ذلك، فإن إيران – الدولة الوحيدة التي لم تخضع تاريخيًا للمخططات الغربية التقسيمية – تتعرض اليوم لهجوم متواصل ومتعدد الأوجه من قبل الإعلام العربي المتصهين، والدعاية الغربية، والمنظومة الصهيونية. فكيف نفسر هذا التناقض؟.
وما دوافع هذا الاستهداف؟ ولماذا تتعرض دولة خارج “الخارطة” لهذا القصف الإعلامي والسياسي والاقتصادي؟.
⸻
أولًا: البعد النفسي – الحصار النفسي والعقد الجماعي
من الناحية النفسية، تمثل إيران في العقل الجمعي الصهيوني والعربي المتواطئ معها، نموذج المقاومة النشطة والمبدئية، وهي في لاوعي هذه الأطراف تشكل تهديدًا معنويًا لا جغرافيًا. وهذا ما يُطلق عليه في علم النفس السياسي:
"التهديد الرمزي" (Symbolic Threat)
إذ لا تشكل إيران خطرًا ماديًا مباشرًا كما تفعل بعض الدول المحيطة بإسرائيل، لكنها تهدد المشروع الصهيوني في جوهره العقائدي، عبر دعمها للقضية الفلسطينية، وتبنيها خطاب "زوال إسرائيل"، وتحالفها مع قوى المقاومة في لبنان، غزة، العراق، واليمن.
هذا التهديد الرمزي يولّد في العقل الصهيوني اضطرابًا نفسيًا مزدوجًا:
• خوف وجودي من "نموذج" قادر على التحريض ضد الاحتلال.
• توتر دائم من دولة لا تتصرف على نمط الدول التقليدية الخاضعة.
ولهذا يُساق الإعلام العربي المتواطئ لمحاولة شيطنة إيران وتقديمها كـ”خطر طائفي”، لتجريدها من بعدها القيمي والمبدئي.
⸻
ثانيًا: البعد العقائدي – مشروع إلهي مقابل مشروع توسعي
في النصوص التوراتية والصهيونية، تُبنى خارطة إسرائيل الكبرى انطلاقًا من “أرض الميعاد” بين النيل والفرات، وهو مشروع عقائدي توراتي. أما إيران، فهي ليست جزءًا من هذه الخارطة، ولكنها تتحرك في مشروع عقائدي إسلامي مبدئي يقوم على:
• الدفاع عن المستضعفين.
• نصرة القضية الفلسطينية.
• مقاومة المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة.
وهنا يتقاطع العقائديان لا جغرافيًا بل جوهريًا. فبينما يقوم المشروع الصهيوني على الهيمنة والاستيطان والتطبيع، يقوم المشروع الإيراني على الممانعة والحرص على الهوية الإسلامية واستقلال القرار السياسي.
لهذا، فإن الصراع الحقيقي هو صراع عقيدة ومبدأ، وليس صراع حدود.
⸻
ثالثًا: البعد القانوني – خرق مبدأ السيادة والتواطؤ ضد دولة خارج "الخارطة"
من الناحية القانونية:
• لا يوجد أي مبرر دولي أو قانوني يضع إيران ضمن دائرة "التهديد الجغرافي لإسرائيل".
• إيران لم تعتدِ على أي دولة مجاورة، ولم تُبادر بأي حرب توسعية.
• كل سياساتها الدفاعية تستند إلى الشرعية الدولية في دعم حركات مقاومة الاحتلال.
ولكن، مع ذلك، تواجه إيران:
• حصارًا اقتصاديًا منذ أكثر من خمسين سنة.
• عقوبات جماعية تخالف القانون الدولي الإنساني.
• اغتيالات لعلمائها (كما حدث لفخري زاده وغيره).
• خروقات متواصلة لسيادتها تحت ذرائع واهية.
كل ذلك يكشف عن تحالف دولي وإقليمي لعرقلة دولة ترفض الانخراط في منظومة سايكس – بيكو وتدعم مشروعًا إسلاميًا مستقلًا.
⸻
خاتمة وخلاصة وصفوة :
إيران ليست ضمن خارطة "من النيل إلى الفرات"، لكنها في صميم المعركة لأنها تقف على النقيض من مشروع الهيمنة الصهيوني. إنها {خارج } الخارطة الجغرافية لكنها {داخل} معادلة الكرامة والمقاومة والمبدأ.
ما يُحارب في إيران ليس موقعها، بل عقيدتها وموقفها.
ولهذا، فإن الهجمة عليها ليست عشوائية، بل هي رسالة لكل دولة أو شعب يجرؤ على الخروج من الطاعة والتبعية.
النقطة الاخيرة والخطيرة اذا كان القانون الدولي العام يدعم حركات التحرر وتقرير المصير والمقاومة الشعبية فلماذا يتم محاسبة ايران على دعم هذه الحركات التحررية.