الأربعاء 10 أيلول 2025 - 15:02
رقم : 4880
إیران تلکس - تشكل مذكرة التفاهم الأخيرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية حدثاً سياسياً وقانونياً متعدد الأبعاد. فهي لا تعكس حلاً نهائياً لنزاع هيكلي، بقدر ما تمثل تكتيكاً دبلوماسياً لإدارة أزمة قائمة.
تداعيات مذكرة التفاهم بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية
جاءت هذه المذكرة في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني، فيما يعود موضوع تفعيل «آلية الزناد» إلى جدول أعمال مجلس الأمن الدولي. ومن هنا، فإن قراءة هذا الاتفاق تستوجب التوقف عند ظروف نشأته، طبيعته التعليقية، أدوار القوى الكبرى، وتداعياته المحتملة على مستقبل الملف النووي الإيراني.

يبدو أن الاتفاق الأخير مع الوكالة يحمل طابعاً تعليقياً أكثر من كونه اتفاقاً جوهرياً. فتنفيذ بنوده مرهون ليس بإرادة طهران وحدها أو بمبادرة الوكالة، بل بمصير قرارات وعقوبات مجلس الأمن. وحتى تتضح مخرجات الاجتماع المقبل للمجلس واحتمال تفعيل آلية الزناد، سيبقى الاتفاق مجرد إطار للتعاون. ولهذا ربطت طهران تنفيذ التزاماتها الكاملة بعدم عودة العقوبات.

المعضلة الأساسية تكمن في غياب ضمانات موثوقة من القوى الغربية، ولا سيما الترويكا الأوروبية. ورغم احتمال أن يسعى الأوروبيون لتأجيل تفعيل آلية الزناد مقابل تعاون إيران مع الوكالة، إلا أنه لا توجد ضمانة بألا يمضي مجلس الأمن في إصدار قرارات جديدة بعد تقارير المفتشين. هذا الفراغ في الضمانات يمثل هاجساً رئيسياً لإيران، ويجعل المذكرة أقرب إلى أداة مؤقتة لإدارة الأزمة بدلاً من كونها حلاً دائماً.

على الصعيد السياسي، تحمل المذكرة رسالة واضحة للمجتمع الدولي مفادها أن إيران ما زالت متمسكة بالطابع السلمي لبرنامجها النووي، ومستعدة للتعاون في إطار الوكالة. الهدف الإيراني هنا ليس حل الخلافات من جذورها، بل منع تفاقم الأزمة وعودة قرارات مجلس الأمن. أي أن طهران تسعى عبر إظهار المنطق وحسن النية إلى توفير مساحة للمناورة الدبلوماسية في اجتماع المجلس المقبل.

تشير المعطيات إلى أن هذه المذكرة لم تكن حصيلة إرادة داخلية أو ضغوط إقليمية بحتة. فمن غير المرجح أن دولاً مثل مصر لعبت دوراً محورياً بمفردها. في المقابل، تبرز أدوار الصين وروسيا التي أسهمت في إقناع طهران بخطوة التعاون هذه. وتسعى موسكو وبكين لاستخدام المذكرة كأداة دبلوماسية داخل مجلس الأمن لمنع عودة العقوبات، والحفاظ على التوازن في مواجهة الغرب.

استراتيجياً، لا يمكن اعتبار مذكرة التفاهم نقطة نهاية، بل هي جزء من جهد أوسع لإدارة الأزمة ومنع وصول الملف النووي إلى مرحلة اللاعودة. فإيران، وهي تدرك هشاشة التحالفات الدولية ومحدودية النظام العالمي، اختارت استخدام هذه المذكرة كدرع مؤقت أمام الضغوط، بهدف كبح الأزمات الأعمق التي قد تجر البلاد إلى «محرقة أبدية».

وفي المحصلة، تبدو المذكرة خطوة تكتيكية وتعليقية لإدارة الأزمة النووية أكثر من كونها حلاً جذرياً. إنها محاولة لشراء الوقت، وإظهار حسن النية، وفتح نافذة دبلوماسية قبيل اجتماع مجلس الأمن. لكن غياب الضمانات الغربية واعتماد الاتفاق بالكامل على قرارات المجلس يجعلان مستقبله محاطاً بالضبابية. في النهاية، يمكن القول إن هذه المذكرة ليست نهاية الأزمة، بل خطوة نحو احتوائها مؤقتاً، وهي خطوة لا تكتسب جدواها إلا إذا رافقتها ضمانات موثوقة ودعم من القوى الكبرى.
✍️ سيد مهدي نوراني
https://www.irantelex.ir/ar/article/4880/
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني

أحدث العناوين
الأكثر قراءة