إن قوله: "البعض يقولون إنني دمية تحركها إسرائيل، والبعض الآخر يقولون العكس تمامًا"، يشير إلى أن الوكالة لم تعد تُعامَل كمنظمة فنية بحتة ومحايدة، بل كطرف فاعل في ساحة الصراعات السياسية وحرب الروايات.
إن المهمة الأساسية للمدير العام للوكالة، وفقًا لميثاقها، هي الشفافية والمراقبة الفنية للبرامج النووية. إنه مدير فني رفيع المستوى، وليس محللاً للرأي العام أو ناشطًا سياسيًا يسعى لتبرير موقفه في ميدان الاتهامات المتبادلة. إن طرح هذا النقاش حول مَن يوجه أي اتهام هو تجاوز للمهمة الأساسية ودخول في مجال يقلل بشدة من الحياد الفني للمنظمة.
الملاحظة الأهم هي أن غروسي، بالتزامن مع دفاعه عن موقعه ضد الاتهامات، يعود ليؤكد على احتياطي اليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة ٦٠٪ والبالغ ٤٠٠ كيلوغرام. هذا الرقم، في سياق التقرير الفني، هو مجرد كمية؛ لكن في الفضاء السياسي، يتحول إلى أداة قوية لـ "حرب الروايات".
إن تكرار هذه الأرقام وتسليط الضوء عليها يوفر الذخيرة اللازمة لوسائل الإعلام الغربية والدوائر السياسية لتبرير ممارسة أقصى الضغوط على إيران.
يكمن النقد الرئيسي لنهج الوكالة في الانتقائية وعدم التوازن الواضح في عملها.
كيف يمكن الادعاء بالحياد بينما:
1. تتركز تقارير الوكالة واهتمامها بشكل كامل على البرنامج النووي الإيراني.
2. تتجاهل هذه المؤسسة تمامًا التفتيش والمراقبة على الكيان الصهيوني، بل وتلتزم الصمت تجاه ترسانته النووية المكشوفة.
في ظل هذه الظروف، فإن تجاهل برنامج نووي واضح وغير خاضع لرقابة (إسرائيل) وتكثيف الضغط على برنامج خاضع للمراقبة (إيران)، يجعل مفهوم الحياد الفني لاغياً تمامًا، ويوضح بجلاء "مَن يقول الحقيقة".
إن ادعاء المدير العام للوكالة بأن "كلا الطرفين يتهمني" لا يكفي لتغطية المحصلة العملية لسلوك الوكالة. ففي السياسة، ليس القصد هو معيار الحكم، بل النتيجة.
لقد كانت المحصلة العملية والملموسة لتقارير وإجراءات الوكالة في السنوات الأخيرة هي:
1. تصدر العناوين في الإعلام الغربي لتصعيد المخاوف.
2. تسهيل الضغط السياسي على إيران.
3. توفير الأمن والحصانة النووية للكيان الصهيوني.
طالما بقيت تقارير الوكالة أحادية الجانب، وظلت عيون هذه المؤسسة الدولية مغلقة على البرنامج النووي للكيانات غير الموقعة على معاهدة منع الانتشار (خاصة إسرائيل)، فإن أي محاولة للتظاهر بالحياد أو الرد على الاتهامات ستتحول إلى تخريف وكلام فارغ في الممارسة العملية.
إن واجب الوكالة، في الظروف الراهنة، هو العودة إلى الشفافية الفنية والتعامل المتساوي مع جميع الأطراف، بدلاً من أن تكون طرفًا فاعلاً في النزاعات الجيوسياسية.