إيران تلكس - تشير نتائج أحدث الأبحاث التي أجراها مركز تيام للدراسات الثقافية إلى أن مجتمع طهران، خلال أزمة حرب الأيام الاثني عشر التي شنها النظام الصهيوني، بدلاً من أن يعاني من التآكل النفسي والاجتماعي، أظهر نوعًا من الإيمان الجماعي النشط؛ وهو الإيمان الذي أدى إلى إعادة إنتاج التضامن الوطني وتعزيز الهوية الدينية للإيرانيين.
قام مركز تيام للدراسات الثقافية، في أحدث دراسة له بعنوان "قياس المقاومة الدينية لشعب طهران ضد حرب الاثني عشر يومًا للنظام الصهيوني"، بفحص الاستقرار الأيديولوجي والتماسك الاجتماعي والبصيرة السياسية لشعب العاصمة في مواجهة الهجوم العسكري والإعلامي المشترك للنظام الصهيوني.
وقال مدير مركز تيام للدراسات الثقافية حبيب الله أسد اللهي: إن الهدف الرئيسي من هذا البحث هو قياس مستوى الاستقرار العقائدي، والتماسك السلوكي، والبصيرة السياسية، والالتزام الاجتماعي بالمرجعية الدينية، والقدرة على الحفاظ على الثقافة الدينية وإعادة بنائها في المواقف الحرجة، حتى يمكن توضيح دور الإيمان الديني في الحفاظ على الاستقرار الوطني والدعم النفسي لجبهة المقاومة.
وأضاف: "أُجري هذا البحث في أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، بعد ثلاثة أشهر من انتهاء الحرب، لقياس ردود أفعال الناس في ظلّ هدوء مشاعر الحرب وعودة المجتمع إلى حالته النفسية الطبيعية.
ويُعدّ اختيار هذه الفترة الزمنية مهمًا لأنه في بيئة ما بعد الأزمة، تتجلّى فعالية الإيمان الديني والتماسك الاجتماعي دون وساطة العاطفة؛ في حين تفاقمت خلال هذه الفترة نفسها المشاكل الاقتصادية، بما في ذلك التضخم، وأصبح من الممكن تقييم الاستقرار الديني والثقافي للشعب بشكل أكثر واقعية في مواجهة ضغوط إضافية".
صرح مدير مركز تيام للدراسات الثقافية قائلاً: أُجري البحث باستخدام منهج المسح، وهو منهج يُمكّن الباحث من تقييم المواقف والمعتقدات الدينية على مستوى المجتمع الإحصائي بشكل كمي وقابل للتعميم.
أما أداة جمع البيانات فكانت استبيانًا علميًا مبنيًا على آراء قائد الثورة حول مفهوم "المقاومة الصادقة"، وهو استبيان يتضمن أربعة أبعاد رئيسية للإيمان: الروحي، والطاعة للدولة، والسياسي-الاجتماعي، والفردي-الأخلاقي. وقد تأكدت صلاحيته الشكلية والمضمونية بعد تقييمه من قِبل عشرة خبراء في مجالات الثقافة والسياسة والمجتمع، كما أن ثباته، بمعامل ألفا كرونباخ البالغ 0.937، يُشير إلى اتساق إحصائي عالٍ جدًا للأسئلة.
وأشار إلى أن المجتمع الإحصائي للمشروع يشمل المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 15 عامًا في 22 منطقة بطهران. حُسب حجم العينة باستخدام معادلة كوكران وخطأ معياري قدره 0.032، ورُفع من 996 إلى 1000 لمزيد من اليقين.
أُجريت عملية أخذ العينات باستخدام أسلوب عشوائي عنقودي متعدد المراحل للحفاظ على توازن اجتماعي وثقافي للمناطق. أُجريت المقابلات شخصيًا في شهر أكتوبر 1404، في أوقات مختلفة من اليوم، وفي أماكن ذات حركة مرور كثيفة، من قِبل أفراد مؤهلين.
وأضاف أسد اللهي: أظهرت نتائج الاستطلاع فجوةً كبيرةً بين "صورة سكان طهران الإعلامية" و"الواقع الإحصائي لسلوكهم الديني". وتشير البيانات إلى ارتفاع مستوى الثقة بالنفس الدينية والشعور بالمسؤولية الاجتماعية في أبعاد المقاومة الدينية. وبعبارة أبسط، لا يرى الناس أنفسهم مواطنين سلبيين، بل مؤمنين فاعلين في مواجهة الظلم والاستبداد.
صرح قائلاً: "تُقدم نتائج البحث صورةً مختلفةً لمجتمع طهران. وخلافًا لبعض التحليلات، تُظهر النتائج أن المجتمع شهد تحولًا دلاليًا في لحظة الأزمة، وتشكل نوعٌ من الإيمان الجماعي النشط بين المواطنين".
صرّح أسد اللهي: يرى باحثو معهد تيام أن هذا السلوك الجماعي مظهرٌ لظاهرةٍ كانت سائدةً سابقًا في الأوساط الدينية الإيرانية، لكنها ظهرت الآن بشكلٍ علنيٍّ، وتُروى في إطار مفهوم "الإيمان في ميدان العمل"، وهو مفهومٌ يُرسي جسرًا بين الاعتقاد الذاتي والفعل الاجتماعي. في هذا النموذج، لا تُعدّ المقاومة قرارًا سياسيًا فحسب، بل بُعدًا معرفيًا وتربويًا للإيمان يُفعّل في لحظات الخطر.
وأشار إلى أن "البيانات التي تم الحصول عليها تظهر أن التدين لدى أهالي طهران في خضم الأزمة تجاوز مستوى الطقوس الفردية وتحول إلى أعمال جماعية مثل تقديم المساعدات والتواجد الإعلامي والدفاع عن القيم".
صرّح مدير مركز تيام للدراسات الثقافية: "بحسب التقرير النهائي، أدّت حرب خرداد التي استمرت اثني عشر يومًا إلى تعزيز الهوية الدينية والوطنية". ويؤكد تيام أن المجتمع الإيراني يمتلك آلية داخلية لإعادة إنتاج المعنى والتضامن؛ وهي آلية تعمل على ثلاثة مستويات:
1. استعادة الوحدة الاجتماعية
2. استعادة الكرامة الجماعية
3. إعادة تعريف الرابطة الوطنية الدينية
وقال أسد اللهي: بحسب باحثي تيام فإن هذا الهيكل الداخلي مكّن إيران من الصمود في وجه الحرب المعرفية للعدو وجعل الإيمان يظهر كقوة اجتماعية ذات معنى.
وأكد على ضرورة مراجعة أساليب قياس التدين في إيران، قائلاً: "بناءً على نتائج هذا البحث، من الضروري تصميم وتطبيق مؤشرات جديدة تتضمن محاور "الإيمان المقاوم"، و"المسؤولية الإلهية"، و"الوفاء بالعهد الروحي للمجتمع".
ويمكن لهذه المؤشرات أن تساعد صانعي السياسات الثقافية على تحديد الطبقات الحقيقية للإيمان والمقاومة الاجتماعية للإيرانيين بدقة؛ طبقات تتزايد نشاطًا ووضوحًا في أوقات الأزمات، ورغم أنها أقل وضوحًا في الحياة اليومية، إلا أنها تؤدي دورًا أساسيًا في الحفاظ على التماسك الوطني والعناصر الثقافية للمجتمع".
تجدر الإشارة إلى أن مركز تيام للدراسات الثقافية يعمل منذ أكتوبر 1401 هـ بهدف رصد الثقافة في البلاد. وينصبّ تركيز أنشطته بشكل رئيسي على دراسة قياس التدين في سياق الدراسات الثقافية. ولتحقيق هذا الهدف، نفّذ المركز سلسلة من المشاريع البحثية والاستراتيجية، منها:
١. مؤشرات التدين من منظور الإمام وقائد الثورة (تشرين الثاني ١٤٠١ هـ)
٢. تصنيف المتظاهرين المعتقلين في أحداث ١٤٠١ (يناير ١٤٠١)؛ مقابلة مع ٧٠ شخصًا (يناير ١٤٠١)
3. دراسة تدين النساء غير المحجبات في طهران مع عينة من 1033 شخصًا (فبراير 2022)
4. تحليل الدوافع الفردية والاجتماعية والسياسية للنساء اللاتي لا يرتدين الحجاب في طهران مع عينة من 992 شخصًا (يونيو 2023)
5. تحليل صورة رجال الدين في عيون الناشطين الثوريين (أغسطس 1403)
6. تصنيف النساء المحجبات في طهران وأبعاد نشاطهن السياسي والثقافي (مايو 1404)
7. دراسة نوع التدين لدى المهن المختلفة مثل الحلاقة وتصفيف الشعر والإصلاح والخبازين وغيرها (1403 و1404)
٨. تحليل سردي لسياسة الحجاب في إيران (يونيو ٢٠٢٥)
9. ظاهرات العلاقة بين رجال الدين والشعب في إيران المعاصرة (دراسة حالة: مدينة طهران) (سبتمبر 1404)
وبشكل عام، قدم هذا المركز فهماً عميقاً واستراتيجياً لحالة التدين في إيران المعاصرة، مع التركيز على الجوانب الاجتماعية والثقافية، في سياق تطور دراسات التدين.