ليلة يلدا، أو مهرجان تشليه، ليست مجرد ليلة طويلة في التقويم الإيراني، بل هي نقطة تحول كونية وثقافية متجذرة بعمق في نسيج الأساطير والمعتقدات الإيرانية القديمة.
تُعتبر هذه الليلة أطول ليلة في السنة، وترمز إلى ذروة قوة الظلام والبرد القارس، ولكن الأهم من ذلك، أنها تحتفل بولادة الشمس من جديد، ميثرا، وبداية عودة النور والدفء إلى العالم.
أكثر من مجرد طقس موسمي، تُمثل يلدا جهدًا واعيًا للحفاظ على التوازن بين القوى الكونية المتضادة، النور والظلام، والحياة والركود.
في الفكر الإيراني، لكل ظاهرة طبيعية تجسيدٌ لقوة أسطورية. وفي الوقت نفسه، يرتبط البرد القارس والظلام الدامس اللذان يسودان هذه الليلة بأسطورة "الجدة سارما".
تُعتبر الجدة سارما، وهي تجسيدٌ أموميٌّ وحازمٌ لفصل الشتاء، حاميةً لهذه الفترة من ركود الطبيعة وسكونها. وبحلولها، تُهيئ الطبيعة لراحةٍ ضروريةٍ حتى تتمكن، بعد تحملها مشاقها، من بدء حياتها من جديد.
لطالما سعت الثقافة الإيرانية إلى الاحتفاء بفصل الشتاء القارس هذا من خلال الاحتفالات والتجمعات التي تُدفئ القلوب من برد الشتاء القارس. تكمن أهمية ليلة يلدا في الحفاظ على استمرارية التراث الثقافي الإيراني في قدرتها على ربط الأجيال المختلفة عبر الروايات المشتركة والأطعمة الرمزية والعادات والتقاليد.
تدعو هذه المقالة القارئ إلى رحلة عميقة في الأساطير الإيرانية لاستكشاف الجذور الزرادشتية والعاطفية لليلة يلدا، والمكانة الفريدة لشخصية نيني سارما في هذا التراث الشفهي؛ رحلة تُظهر كيف يحتفل الإيرانيون بميلاد النور في أحلك ليالي السنة.
يلدا، احتفال عيد ميلاد الشمس
ليلة يلدا، التي تعني "الميلاد" بالعامية، تعود جذورها إلى معتقدات قديمة سبقت ظهور المازدية، وتطورت إلى احتفال كوني عظيم خلال ذروة ازدهار المهر والزرادشتية. وهي لا تحتفل فقط ببداية فصل الشتاء، بل أيضاً بولادة ميثرا من جديد، إله الشمس والعهد والنور.
الجذور التاريخية والأسطورية: صلات بميثراس وزرادشت
في علم الكونيات الإيراني القديم، يُصوَّر العالم كساحةٍ تدور فيها معركةٌ أزليةٌ بين أهورا مزدا، خالق الخير والنور، وأهريمان، منبع الشر والظلام. تقع ليلة يلدا على خطّ الفصل بين هاتين المرأتين. من منظورٍ أسطوري، تُمثّل هذه الليلة ذروة قوة أهريمان والظلام، حين تكون الشمس في أضعف حالاتها وكأنها غارقةٌ في رحم الظلام.
لكن يلدا احتفالٌ بانتصار النور. يُعتقد أنه في هذه الليلة، تُولد الشمس، رمز ميثرا، من جديد بعد صراعٍ مريرٍ مع قوى الظلام، وتبدأ مسيرتها لإعادة النور والدفء. هذه الولادة ليست حدثًا ماديًا، بل هي قيامةٌ كونيةٌ تُعطي العالم أملًا جديدًا. في التقاليد الزرادشتية، ترتبط هذه الليلة على الأرجح بمهرجاني خرداد وآذر، وتُعتبر نقطة تحوّلٍ في التقويم تُشير إلى الانتصار النهائي للنور على الظلام.
يُعدّ هذا الاعتقاد السبب الرئيسي لأهمية الضوء في هذه الليلة. فإشعال النيران والشموع والجلوس معًا لم يكن يهدف فقط إلى درء البرد، بل أيضًا إلى مساعدة الشمس في مسارها نحو التجدد؛ إذ استخدم الإيرانيون القدماء ضوءهم لمساعدة الشمس الوليدة على الخروج من براثن الظلام.
مفهوم "chelle"
كلمة "تشيلي" تعني فترة أو سلسلة من الأيام. تُشير ليلة يلدا (الليلة الأولى من التشيلي) إلى بداية فترة تُسمى "التشيلي الكبرى" التي تستمر حوالي أربعين ليلة، وتستمر حتى اليوم العاشر من بهمن. تُعد هذه الفترة أقسى وأبرد فترات الشتاء، حيث تطول الأيام تدريجيًا وتقصر الليالي.
بعد انتهاء التشيلي الكبرى، تبدأ فترة "التشيلي الصغرى" التي تستمر حتى اليوم العشرين من بهمن. يُظهر هذا التقسيم أن الإيرانيين القدماء لم يكتفوا بمراقبة ليلة واحدة، بل راقبوا فصل الشتاء بأكمله ومروره التدريجي. يتركز الاحتفال الرئيسي على الليلة الأولى، لأن دخول هذه الفترة المظلمة كان يتطلب إحياء ذكرى واستعدادًا نفسيًا لتحمل البرد القارس.
العادات والتقاليد الرئيسية لليلة يلدا
تتمحور عادات يلدا بشكل أساسي حول "التجمع" و"البقاء مستيقظًا" حتى لا يسود الظلام.
أ) لم شمل العائلة وأهمية الروابط:
يُعدّ اجتماع أفراد العائلة، صغارًا وكبارًا، أهمّ عنصر في ليلة يلدا. يرمز هذا الاجتماع إلى الوحدة في مواجهة الصعاب. في هذه الليلة، يكون كبار العائلة محطّ الأنظار، حيث يستذكرون ذكريات الماضي وتجاربه. وتكتسب هذه الروابط أهمية بالغة في ثقافة يُنظر فيها إلى الظلام والعزلة على أنهما تهديد.
ب) قراءة الشاهنامة ورواية القصص:
في أطول ليلة في السنة، يعود الإيرانيون إلى تراثهم التاريخي. تُعدّ قراءة الشاهنامة، وهي رواية القصص القديمة والأساطير الوطنية، أحد العناصر الأساسية في ليلة يلدا. لا يقتصر الأمر على الترفيه فحسب، بل يتعداه إلى الحفاظ على استمرارية الهوية الوطنية ونقل قيم الأجداد وملاحمهم إلى الجيل الشاب في جوٍّ من النعاس.
ج) استحضار ديوان حافظ:
من أجمل العادات وأكثرها تعقيدًا استحضار ديوان خواجة حافظ الشيرازي. تختلف هذه العادة عن النبوءات الشعبية. فالاستعانة بحافظ الشيرازي هي في الواقع طلبٌ للحكمة والإرشاد من شاعرٍ أتقن أسرار الوجود.
حكمة حافظ الشيرازي مستقاة من صميم التفاعل بين روح الشاعر وكلماته وحاضر الفرد. عادةً ما يعقدون العزم ويتوجهون إلى حافظ؛ فتفسير الغزل ليس للتنبؤ بالمستقبل بدقة، بل لتلقي الإرشاد الأخلاقي والروحي في الطريق. يُظهر هذا الفعل الاحترام الذي يكنّه الإيرانيون للأدب والحكمة الصوفية.
د) مائدة ليلة يلدا (الرموز الصالحة للأكل):
تزخر مائدة ليلة يلدا بالرموز المرتبطة مباشرةً بتناقض الحرارة والبرودة ومفهوم الولادة:
الرمان: الرمز الرئيسي لليلة يلدا. ترمز حبات الرمان العديدة الموضوعة جنبًا إلى جنب إلى الولادة والوفرة ودفء الدم. لون الرمان الأحمر انعكاسٌ للشمس ودفء الصيف، الذي يجب الحفاظ عليه في هذه الليلة.
البطيخ: على الرغم من أن البطيخ ليس من ثمار الخريف، إلا أن تناوله يحمل دلالات رمزية. يرمز لونه الأخضر والأحمر ومحتواه العالي من الماء إلى البرودة التي بداخله، بينما يرمز غناه بالعصارة إلى دفء الصيف وحماية الجسم من برد الشتاء القارس. ويُعتقد تقليديًا أن تناول البطيخ ليلة يلدا يقي من الأمراض ونزلات البرد خلال فصل الشتاء.
المكسرات: مزيج من المكسرات، لكل منها فوائد غذائية لمكافحة البرد. ترمز هذه المكسرات أيضًا إلى البركات والوفرة التي يجب الحفاظ عليها لتجاوز الأيام الصعبة.
أسطورة الجدة فروست وتجسيد الشتاء
إلى جانب الاحتفال بميلاد النور، لا بدّ للثقافة الإيرانية من الترحيب بقوةٍ جبارةٍ وضروريةٍ تضمن النظام الكوني: الشتاء. تتجسد هذه القوة في أسطورة تُدعى "الجدة سارما". الجدة سارما ليست شخصيةً شريرةً فحسب، بل لها دورٌ أسطوريٌّ ودوريٌّ هامٌّ في العالم.
1. وصف شخصية الجدة سارما: في الفولكلور
، تُوصف الجدة سارما غالبًا بأنها امرأةٌ عجوزٌ طيبةٌ، لكنها قويةٌ وجادةٌ للغاية. تشمل سماتها الجسدية عادةً شعرًا طويلًا أبيض (أو أزرق جليدي أحيانًا)، وفستانًا داكنًا، وقناعًا يُشير إلى أن الأرض مغطاةٌ بالثلوج. على عكس الشخصيات الشيطانية، غالبًا ما تُوصف بنبرةٍ أموميةٍ حنونةٍ تُذكّر الناس بمصاعب الشتاء.
من أهمّ سمات شخصية الجدة سارما افتقارها للشر. فهي لا ترمز إلى الظلام المطلق أو الشر المطلق، بل تُمثّل المرحلة الأكثر جوهريةً في حياة الطبيعة: السكون. تأتي نيني سارما لتُجبر الطبيعة على الراحة، وللحفاظ على الموارد، ولتهيئ الأرض لانفجار الحياة في الربيع. ولهذا السبب، يحترم الناس وجودها، رغم خوفهم من بردها، لعلمهم أن الربيع سيأتي بعد راحة نيني سارما.
تقول إحدى الروايات الشائعة أن نيني سارما تدخل المدن مع أول تساقط كثيف للثلوج في الشتاء، وتُكلف بتغطية الأرض وحمايتها بالثلوج حتى وصول "العم نوروز". وكثيرًا ما تجوب الجبال حاملةً حقيبة ظهر مليئة بالجليد والثلج، تُنصح الناس أينما رأتهم مُهملين في البرد.
٢. قصص دخول نيني سارما وخروجها:
تُمثل قصة دخول نيني سارما وخروجها مرور الوقت ودورة الفصول.
الدخول: يتزامن دخول نيني سارما عمومًا مع أول موجة برد قارس وتساقط كثيف للثلوج. في بعض الروايات، تأتي من أراضٍ شمالية بعيدة، وعند وصولها، تُرسل نسائم باردة، تُحذر الناس من توخي الحذر. يُعد احتفال يلدا الفرصة الأخيرة للاحتفال والفرح قبل وصولها الكامل.
رحيل وتسليم العام: يُعدّ رحيل نيني سارما من أجمل جوانب الأساطير الإيرانية، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بعيد النوروز. في الأدب الشعبي، تُواصل نيني سارما واجبها حتى نهاية فترة "تشيلي الكبرى"، وأحيانًا حتى قرب عيد الفطر. عندما تُصبح الأرض مُهيأة للاستيقاظ، تُسلّم المسؤولية إلى "العم نوروز".
وفقًا للروايات، عادةً ما تُحزم نيني سارما أمتعتها وتعود إلى الأراضي الباردة في آخر ثلاثاء أو أربعاء من العام، عندما يبدأ الطقس بالدفء تدريجيًا. قبل رحيلها، تُسلّم منزلها إلى العم نوروز. يُعدّ هذا التسليم بحد ذاته طقسًا صغيرًا تُؤكّد فيه نيني سارما على أن كل شيء مُهيّأ للتجديد. برحيلها، تسمح بارتفاع درجة الحرارة، ويُهيّئ العم نوروز، بحماس، الأرض للازدهار.
3. مقارنة مع أساطير أخرى:
تكشف مقارنة الجدة سارما بشخصيات الشتاء الأسطورية في ثقافات أخرى عن اختلافها الجوهري:
بابا نويل (التقاليد الغربية): بابا نويل شخصية تجارية وقائد احتفالات عيد الميلاد، ويركز على الجزء الأخير من العام. يُعرف غالبًا بأنه مرح وكريم في توزيع الهدايا. أما الجدة سارما، على النقيض، فتمثل المشقة والمثابرة اللازمتين لتجاوز موسم الأعياد أكثر من كونها مجرد مانحة للبهجة العابرة.
آلهة الشتاء (اليونانية/الإسكندنافية): شخصيات مثل بيرسيفوني في الأساطير اليونانية تجلب فصلاً مظلماً بدخولها عالم هاديس. لكن الجدة سارما ليست إلهة؛ إنها أقرب إلى جدة عجوز مهمتها الإشراف على فترة الركود هذه. ينصب تركيزها على النظام والهدوء، لا على السلطة السياسية أو العلاقات العاطفية الأسطورية.
الفرق الرئيسي هو أن الجدة سارما شخصية "أم" تتقبل المشقة كجزء من مسيرة الحياة. إنها التجسيد الضروري للطبيعة، وليست قوة معادية أو مجرد موزع للهدايا.
4. تباين الجدة سارما والحاج فيروز:
تُعد العلاقة بين الجدة سارما والحاج فيروز من أجمل التفاعلات الدرامية في الفولكلور الإيراني، إذ تُظهر تكامل قوتين متضادتين.
حاجي فيروز: يُمثل حاجي فيروز (الذي يُرتبط أحيانًا بسياوش أو كيومارس)، بوجهه المُسود وملابسه الزاهية، الشغف والفرح والطاقة والحيوية. تُعلن، من خلال الغناء والرقص، عن التغيير الوشيك في الطبيعة وتُطلق الاحتفال. يرمز إلى الخروج من العزلة وقدوم النور.
التناقض والتكامل: ترمز ناني سارما إلى سكون وبرودة عهدها، بينما يرمز حاجي فيروز إلى الحركة والدفء. عندما يظهر حاجي فيروز، لا تزال ناني سارما حاضرة، لكن قوتها المطلقة قد تضاءلت.
يُمثل هذا التناقض حركة دوامة الحياة: فلا نور بدون ظلام، ولا سكون تام بدون حركة. يُشير قدوم حاجي فيروز إلى بداية مفاوضات الطبيعة الأخيرة لاستعادة طاقة الحياة وشغفها، والتي تُثمر في النهاية مع عيد النوروز. يُرسخ هذا التناقض ديناميكية الحياة ودوريتها في الثقافة الإيرانية.
العلاقة بين يالدا وناني سارما في السرديات والرمزية الحديثة
في عالمنا المعاصر، حيث قلّصت التقاويم الدقيقة وتوقعات الطقس الحاجة إلى الخرافات الموسمية، خضعت شخصيتا يلدا ونيني سارما لتغييراتٍ للحفاظ على أهميتهما.
1. إعادة تعريف في الأدب المعاصر:
ارتقى الكتّاب والشعراء المعاصرون بصورة نيني سارما من مجرد عجوزٍ في حكاية خرافية تتعامل مع الثلج إلى استعارة أدبية أكثر تعقيدًا. في الشعر الفارسي الحديث، تُستخدم نيني سارما غالبًا كرمزٍ لما يلي:
العزلة والوحدة: فهي تمثل حالة الإنسان المعاصر الذي يشعر أحيانًا بالعزلة وسط صخب الحياة المدنية.
قوة الطبيعة الجامحة: استعارةٌ لقوى الطبيعة الهائلة التي يبقى الإنسان، رغم معرفته، ضئيلًا أمامها.
حكمة الصمت: فهي ترمز إلى الفرصة التي تتيحها الطبيعة للإنسان للتوقف والتأمل في أعماق نفسه، تمامًا كالصمت الذي يسود الطبيعة تحت طبقة من الثلج.
في هذه التعريفات الجديدة، تبقى يلدا نقيضًا لهذه العزلة. إنه وقتٌ تُقرر فيه العائلات بوعيٍ مواجهة برد الشتاء القارس، وكسر عزلتها بالنور والدفء.
٢. تكمن الجوانب النفسية والرمزية
لحاجة الإنسان لهذه الأساطير في صميم علم النفس البشري؛ الحاجة إلى تأطير التجارب غير المفهومة.
التغلب على اليأس بالأمل: تُصوّر يلدا معركتنا النفسية مع "اليأس". يواجه كل فرد "أطول الليالي" (الأزمات والمصاعب) في حياته. يُذكّرنا الاحتفال بيالدا بأن هذه الظلمات محدودة، وأنه بعدها، ولادة الشمس (النور والأمل) أمرٌ حتمي.
تقبّل التغيرات الموسمية (البرد): يُعلّمنا البرد أن الركود والراحة جزءٌ ضروري من دورة الحياة. يعني تقبّل البرد تقبّل دورات الحياة القاسية، لا مقاومتها عبثًا. يُعلّم هذا الموقف نوعًا من ضبط النفس والصبر في مواجهة الشدائد.
3. أثر العولمة والحفاظ على الهوية:
مع انتشار الاحتفالات العالمية كعيد الميلاد، والتي غالباً ما تُركز على مواضيع متشابهة كإحياء ذكرى ميلاد المخلص أو عودة النور، واجهت التقاليد الإيرانية، مثل يلدا، تحديات. إلا أن يلدا استطاعت الصمود بفضل ارتباطها الوثيق بالتقويم الشمسي والثقافة المحلية.
يتحقق الحفاظ على هذه الطقوس في وجه تأثير الثقافات الأخرى من خلال إبراز جوانبها الفريدة:
التركيز على ميثرا: يُبرز التأكيد على الجذور الزرادشتية والإيرانية لميلاد الشمس اختلافها عن الروايات المسيحية.
التركيز على نيني سارما كرمز لصمت الطبيعة: فبينما يركز الغرب على بابا نويل والإثارة، تُشدد يلدا على البساطة والحكمة والتجمعات العائلية في صمت.
تُظهر هذه المقاومة الفعّالة أهمية هذه الاحتفالات في الحفاظ على الهوية الوطنية في عصر العولمة.
خاتمة
تُعدّ ليلة يلدا وأسطورة نيني سارما من الركائز الأساسية للهوية الإيرانية في منتصف فصل الشتاء. يلدا، احتفالٌ بميلاد الشمس وميثرا، هو إعلانٌ كونيٌّ يُؤكّد على الانتصار النهائي للنور على الظلام؛ احتفالٌ يُعزّز الروابط الاجتماعية والثقافية من خلال التجمعات، وتلاوة الشاهنامة، والتماس الحكمة من حافظ.
على النقيض من ذلك، تُجسّد الجدة كولد جوهر الشتاء؛ فهي ليست قوة مدمرة، بل حامية النظام الكوني، تدعو الطبيعة إلى سبات عميق استعدادًا لازدهارها في المستقبل. ويُمثل تباينها المُكمّل مع الحاج فيروز ديناميكية الوجود ودورة الفصول التي لا تنتهي.
ليست هذه الأساطير والطقوس مجرد حكايات للأطفال لتمضية الليالي الطويلة، بل هي كنوزٌ زاخرةٌ بالحكمة والتاريخ، ورؤيةٌ عميقةٌ للكون ومرور الزمن.
إنها تُعلّمنا أن الظلام ليس جزءًا من الدورة فحسب، بل هو أيضًا فرصةٌ للتأمل والاحتفاء بالولادة الجديدة. في عالمنا المعاصر سريع الخطى، يُعدّ الحفاظ على طقوس يلدا واحترام مكانة نيني سارما بمثابة صونٍ لجزءٍ هامٍ من الروح والهوية الإيرانية، التي ترحب دائمًا بالنور في أحلك ليالي السنة.