في أروقة المتحف، تُحس الأنماط قبل أن تُرى؛ فالخطوط والمنحنيات والتكرارات الهندسية هي اللغة نفسها التي اختارها الفنانون منذ قرون للتعبير عن الإيمان والقوة والجمال والأحلام.

هنا، لا يُعدّ النمط مجرد زخرفة، بل هو ذاكرة؛ ذاكرة تناقلتها بلاطات الصفويين، وورش العمل العثمانية، وإمبراطورية غوركاني في الهند، ويُعاد قراءتها اليوم في شرق آسيا.

وهكذا، في القاعات، يصبح التاريخ همساً؛ فالهند المغولية، بروعتها الممزوجة بالثقافات المحيطة بها، تتحدث عن الكؤوس والخناجر التي وفّقت بين القوة والجمال.

يأخذ القسم الإيراني الزوار في زيارة إلى العصر الصفوي، حين امتزج الشعر بالصور وأصبح الفن لغة الفكر. تُظهر الأواني الفخارية المزينة بالأبيات الشعرية، والأكواب المنقوشة، والزخارف المستوحاة من الحدائق والطبيعة، كيف أن الجمال في إيران لم يكن ترفاً، بل ضرورة ثقافية.

في هذه الأعمال، يحمل الخط الفارسي والعربي معاني وصورًا في آنٍ واحد؛ وكأن الكلمات نفسها قد تحولت إلى أنماط. لذا، فالأنماط هنا ليست مجرد زخرفة، بل لغة؛ لغة عبرت ثلاث قارات وتتحدث بالعين دون الحاجة إلى ترجمة.

في الواقع، كل عمل فني بمثابة سفير صامت، قادم من البلاطات وورش العمل ليحكي كيف تداخلت الثقافات؛ وكيف أدت الطرق والحروب والتجارة إلى إزاحة الجمال.

وإلى جانب ذلك، تروي أعمال فنية أخرى، تجمع بين تأثيرات إيران وآسيا الوسطى والتقاليد المحلية، قصة إمبراطورية رأت في الفن أداة للوحدة.

أما القسم العثماني، فيقدم نظاماً مختلفاً؛ نظاماً هندسياً دقيقاً ومتكرراً. هنا، يقترب فن الخط الفارسي من فن العمارة، وتتحول البلاطات أو الأنماط إلى رياضيات بصرية.

فالطواويس والأغصان والزخارف النباتية، بتنسيقها المحسوب، تخلق عالماً لا ينفصل فيه النظام عن الروحانية.

إن معرض "معجزة اللوحات" ليس مجرد معرض فني، بل هو قصة تواصل الحضارات. تُظهر هذه الأعمال أن إيران والهند والإمبراطورية العثمانية لم تكن جزرًا معزولة، بل حلقات في سلسلة ثقافية؛ سلسلة امتدت من آسيا إلى أوروبا، وتتجلى اليوم في شنغهاي.

لعل أهم رسالة لهذا المعرض هي: في عالم أصبحت فيه الحدود أكثر ضبابية، لا يزال بإمكان الفن أن يسافر بدون جواز سفر؛ ويمكن للصور أن تروي بصمت القصة المشتركة للبشرية.