السبت 7 حزيران 2025 - 17:56
رقم : 4067
إیران تلکس - في عام 2018، انسحب دونالد ترامب أحادياً من الاتفاق المعروف بـ "خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)"، وأعاد فرض العقوبات على إيران؛ وذلك بالرغم من أن إدارته نفسها كانت قد أكدت التزام طهران الكامل ببنود الاتفاق حتى يوليو 2017. هذا الاتفاق، الذي أبرم في عام 2015، قيّد برنامج إيران النووي بشدة: من خفض مستوى تخصيب اليورانيوم إلى3.67%، إلى تحديد عدد ونوع أجهزة الطرد المركزي، ووضع سقف لاحتياطيات المواد النووية، وتطبيق نظام رقابة بشکل دقيق.
کیف یمکن منع إیران من إمتلاك قنبلة نوویة؟
لكن الاتفاق النووي لم ينهار فوراً. فقد التزمت إيران بتعهداتها الرئيسية لمدة عام كامل بعد انسحاب الولايات المتحدة. حدثت نقطة التحول عندما أرسلت الولايات المتحدة في مايو 2019، في خطوة تهديدية، حاملة الطائرات (يو إس إس أبراهام لينكولن) إلى قرب المياه الإيرانية، لإرسال رسالة واضحة إلى طهران، وفقاً لما قاله مستشار الأمن القومي آنذاك جون بولتون.

هذا التوتر العسكري دفع إيران أخيراً نحو تعليق تدريجي لتنفيذ الاتفاق النووي. بعد بضعة أشهر، رفعت إيران مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 4.5%، وهو رقم تجاوز السقف المحدد في الاتفاق النووي.

جاءت الخطوة الإيرانية الكبيرة التالية في ديسمبر 2020؛ عندما أعلنت طهران عزمها على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20%؛ وهو أعلى مستوى كانت قد بلغته قبل الاتفاق النووي. اتخذ هذا القرار بعد أيام قليلة من اغتيال محسن فخري زاده، كبير العلماء النوويين الإيرانيين، على يد عملاء إسرائيليين.

وأخيراً في أبريل 2021، أعلنت إيران عن خططها لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، مسجلة أعلى رقم في تاريخ البلاد النووي، لتكشف بذلك عن مرحلة أخرى من تقدمها النووي؛ وقد جاء هذا الإجراء بعد يومين فقط من عملية تخريب إسرائيلية في منشأة نطنز.

يوضح هذا الإجراء بجلاء أن طهران قد توصلت منذ فترة طويلة إلى دورة الوقود النووي الكاملة، وفي حال اتخاذ قرار سياسي، لديها القدرة على إنتاج يورانيوم عالي التخصيب بنسبة 90% (مستوى الأسلحة). ومع ذلك، امتنعت إيران حتى الآن عمداً عن تجاوز هذا الخط الأحمر.

منذ توليه منصبه، صور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المواجهة النووية بين أمريكا وإيران كخيار ثنائي بسيط ولكنه خطير، قائلاً بصراحة: "لا توجد سوى طريقتين لتدمير المنشآت النووية الإيرانية: إما إزالتها بدقة أو بعنف شديد".

ومع ذلك، فإن هذه الثنائية المصطنعة هي في الواقع أداة بلاغية لتأجيج تهديدات الولايات المتحدة العسكرية ضد إيران وتهيئة الرأي العام لتبرير حرب محتملة، أكثر من كونها انعكاساً للواقع.

الحقيقة هي أن هناك خياراً ثالثاً؛ خياراً أكثر واقعية وهو قبول الوضع الراهن. يجب على واشنطن أن تتقبل أن تأخير البرنامج النووي الإيراني لم يعد أزمة حالیا، بل أصبح جزءاً من الواقع الدائم للمنطقة.

لقد تعايشت أمريكا لسنوات مع إيران "شبه النووية"،
وإنكار هذا الواقع غير المريح لن يؤدي إلا إلى إضعاف المصالح الإقليمية للولايات المتحدة. ومع ذلك، لا يزال المسؤولون في واشنطن يتصورون أنهم يستطيعون إعادة إيران إلى ما قبل النووي.

صرح ستيف ويتكوف، الممثل الأمريكي الخاص، مراراً وبصراحة أن واشنطن لن تتسامح مع أي مستوى من تخصيب اليورانيوم من قبل إيران، وتعتبره "خطاً أحمر واضحاً جداً جداً" للولايات المتحدة. وقد انضم أكثر من 200 مشرع جمهوري إلى مؤيدي هذه السياسة، معربين صراحة عن دعمهم لنهج الرئيس. بالإضافة إلى ذلك، حذر جي دي فانس، نائب الرئيس، وعدد من المسؤولين والقادة الجمهوريين من أنه إذا باءت المفاوضات بالفشل، فإن خيار الهجوم على إيران سيكون "على الطاولة أكثر من أي وقت مضى".

في الواقع، أدت مجموعة من العقوبات والتهديدات العسكرية والعمليات التخريبية السرية على مدى العقد الماضي إلى دفع إيران عملياً نحو تطوير برنامجها النووي وتقدمه. وقد حدثت القفزات الأخيرة لطهران في المجال النووي، جميعها في ثلاث مراحل رئيسية؛ كانت كل مرة، استجابة مباشرة لإجراءات واشنطن أو تل أبيب العدائية.
نمط هذه التطورات واضح تماماً: كلما رأت إيران نفسها مهددة، اقتربت خطوة أخرى من القدرة على التسلح النووي. هذا هو "المأزق الأمني" في شكله الكلاسيكي؛ حيث تبدو الإجراءات الدفاعية لطرف ما مهددة للطرف الآخر، وهذه الدورة تؤدي حتماً إلى تفاقم الأزمة وزيادة التوترات.

مع ذلك، فإن الثنائية "الاتفاق أو الحرب" خطيرة للغاية. فالعمل العسكري ضد إيران، ليس من المستبعد أن يقضي على القدرة النووية لهذا البلد فحسب، بل قد يؤدي بالضبط إلى النتيجة التي تخشاها واشنطن: حصول إيران على القنبلة النووية.

إذا اتخذت أمريكا طريق الهجوم، فما هو السبب الذي سيجعل طهران لا تصبح أكثر تصميماً من أي وقت مضى على صنع القنبلة وتواصل مسارها النووي بوتيرة جديدة؟

فلماذا تصر إدارة ترامب على التوصل إلى اتفاق، بينما من الناحية التكنولوجية، فات الوقت الذهبي لمنع انتشار البرنامج النووي الإيراني؟ قبل أكثر من عشرين عاماً، عندما بدأت المفاوضات النووية لأول مرة، لم تكن إيران قد دخلت بعد مجال التخصيب، وكان لا يزال من الممكن الأمل في أن اتفاقاً شاملاً سيغلق إلى الأبد طريق حصول طهران على المعرفة النووية المحلية. ولكن على مدار هذين العقدين، تغيرت الحقائق تماماً، دون أن تتغير عقلية صانعي السياسات الأمريكيين كثيراً.

بدلاً من التهديدات العسكرية ومحاولة إخافة إيران لدفعها إلى طاولة المفاوضات، يجب على الولايات المتحدة أن تجد الشجاعة للتراجع عن موقفها. سيكون هذا التحول بلا شك تغييراً كبيراً في سياسة واشنطن، لكن إدارة ترامب أظهرت من قبل أنها لا تخشى إجراء تغييرات جوهرية
وقادرة على تنفيذ هذه القرارات بسرعة.

في وقت سابق من هذا الشهر، غير ترامب فجأة سياسته تجاه الحوثيين وأوقف حملة القصف الباهظة التكلفة التي تجاوزت مليار دولار في الأسابيع الثلاثة الأولى وحدها. كما ألغى العقوبات المفروضة منذ فترة طويلة على سوريا. أما التخلي عن المطالب من إيران، فلن يكون في عالم ترامب سوى مناورة أخرى في قائمة تغييراته اليومية.

ربما لا يهم كثيراً كيف سيتم تنفيذ خفض التوتر من جانب الولايات المتحدة عملياً؛ المهم هو التحقيق الفعلي لهذا التحول في المسار. لقد أظهر ترامب مراراً أنه سيد التغييرات المفاجئة ويمكنه أن يسجل أي سياسة بمهارة باسمه.

يمكنه أن يقدم نسخة معدلة من الاتفاق النووي كـ "نصر كبير" ويضمن أن حزبه سيدعمه. أو قد ينسحب ببساطة من المفاوضات ويدعي أن إيران وعدت بشكل غير رسمي بأنها لن تسعى أبداً لامتلاك قنبلة؛ وهو نفس النهج الذي اتبعه مع الحوثيين. بل قد يذهب إلى حد لقاء الرئيس الإيراني، ويصفه بـ "شخصية جذابة ذات خلفية قوية"؛ كما أثنى على أحمد الشرع السوري، ويلغي العقوبات بمجرد مصافحة. هذا هو ترامب: رجل "مجنون" بكل معنى الكلمة في التهرب والمناورة السياسية.

قد تكون إسرائيل غير راضية عن هذا التحول في السياسة الأمريكية، لكن التبعات الدبلوماسية لمثل هذا القرار هي جزء من طبيعة سياسة ترامب الخارجية، وليست عيباً فيها. ترامب رئيس يؤمن علانية بأسلوب "الرجل المجنون" في العلاقات الدولية؛ وهو نهج يقوم على عدم القدرة على التنبؤ وإظهار وجه غير عقلاني، ويهدف إلى زيادة القدرة التفاوضية في أي مفاوضات.

بالطبع، قد يكون لتجاهل المخاوف الأمنية لإسرائيل عواقب خطيرة، بما في ذلك احتمال شن إسرائيل هجوماً أحادياً على المنشآت النووية الإيرانية، وهذا الإجراء بحد ذاته يمكن أن يدفع طهران نحو تسليح برنامجها النووي.

ومع ذلك، يبدو أن بنيامين نتنياهو سيتجنب المغامرات المفرطة في الوقت الحالي؛ لأن إسرائيل تعتمد على أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية لصد أي رد فعل إيراني محتمل على الهجمات العسكرية. هذه الحقيقة، بالإضافة إلى الدعم الواسع الذي أظهرته واشنطن لإسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023، توفر لنتنياهو أسباباً قوية لإعطاء الأولوية للحفاظ على علاقاته مع ترامب.

ليست الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تقع في فخ ثنائية "الاتفاق أو الحرب". فالوضع النووي الإيراني الحالي مستمر بشكل مستقر لسنوات وليس بالضرورة أزمة تتطلب حلاً فورياً. ربما يكون الحل الأكثر حكمة لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية هو أن نقلل من الحوافز والدوافع لبلد لديه أسباب كافية للذهاب نحو القنبلة.
https://www.irantelex.ir/ar/article/4067/
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني