إیران تلکس - يُعدّ مسجد تاريخانه من الآثار المُسجّلة في قائمة التراث الوطني الإيراني، ويقع في الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة دامغان. ويُعتبر هذا المسجد – من حيث قِدم بنائه والمعطيات التاريخية الموثّقة – أقدم مسجد في إيران.
عندما تصل إلى هذا المسجد، يأسرك أولاً شموخ أعمدته الطوبية وصمته الذي يمتدّ لأكثر من ألف عام.
في قلب مدينةٍ تملؤها اليوم البيوت والمحلات الحديثة، ينتصب أمامك بناءٌ يبدو كأنه خرج للتوّ من أعماق التاريخ.
إنه مسجد تاريخانه في دامغان، الذي يعني اسمه في الأدب الفارسي القديم «بيت الله».
وتشير بعض المصادر إلى أن اسم المسجد مشتقّ من معبدٍ زرادشتي ساساني كان قائماً في الموقع نفسه قبل الإسلام.يقدّر علماء الآثار أن بناء المسجد يعود إلى القرن الثاني الهجري (ما بين 120 و150 هـ)، أي إلى القرن الثامن الميلادي.
ويُظهر أسلوبه المعماري وتشابهه مع القصور الساسانية مثل قصر فيروزآباد، أن أجزاءً منه مقتبسة من معبدٍ ناريّ سابق أو أُقيمت فوق أساساته القديمة.
جدران المسجد مشيَّدة من الطوب المحروق الكبير الحجم، بلون تراب الصحراء الدافئ، خاليةٍ من أي زخرفة. وفي فناء المسجد الواسع تصطفّ أعمدة أسطوانية ضخمة كجذوع أشجارٍ عملاقة، يبلغ قطر كلّ منها أكثر من مترٍ ونصف، وتحمل عقوداً بسيطة على شكل قبو.
السقوف منخفضة وثقيلة، والعقود بانحناءاتها الرقيقة توجّه البصر نحو الإيوان القبلي، حيث يقع المحراب البسيط، لا يميّزه سوى تجويفٍ صغير في الجدار.
لا أثر هنا للّون أو الزخرفة أو الجصّ، فكلّ شيءٍ في هذا المكان يتكلّم بلغة الطوب وحده، تلك المادّة التي استُخدمت يوماً في قصور الساسانيين.يتميّز الفناء المركزي بشكله المربّع، والمسجد يخلو تماماً من تزيينات القاشاني، إذ بُني كلّه من الطوب البسيط. أما اتجاه القبلة فيميل قليلاً عن الاتجاه الحالي، ويُرجَّح أن السبب يعود إلى اختلاف طرق تحديد القبلة في القرون الإسلامية الأولى.
اليوم يُعدّ مسجد تاريخانه واحداً من المعالم المسجَّلة رسمياً ضمن قائمة الآثار الوطنية في إيران. وقد تمّ تسجيله عام 1931م، وهو اليوم تحت إشراف وزارة التراث الثقافي ويُفتح أبوابه أمام الزوّار.
من الناحيتين التاريخية والمعمارية، يُعتبر تاريخانه من أقدم النماذج المعروفة للمساجد الإسلامية في إيران والعالم الإسلامي. وقد شكّل النموذج الأوّل للمساجد الإيرانية – الإسلامية التي ظهرت لاحقاً في مدن مثل نائين، فهرج، وجامع أصفهان.
تكمن أهمية هذا المسجد في كونه يجسّد الصلة المعمارية بين الطراز الساساني القديم والمعمار الإسلامي الناشئ، وهو شاهد حيّ على تحوّل الفنّ الفارسي من المعابد النارية إلى بيوت العبادة الإسلامية.