إیران تلکس - مع دخول العالم الربع الأخير من عام 2025، تتصاعد ملامح المواجهة المفتوحة بين المعسكر الشرقي المكوَّن من روسيا الاتحادية، الصين الشعبية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى جانب حلفائهم في محور المقاومة.
وكالة مهر للأنباء: مع دخول العالم الربع الأخير من عام 2025، تتصاعد ملامح المواجهة المفتوحة بين المعسكر الشرقي (المكوَّن من روسيا الاتحادية، الصين الشعبية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى جانب حلفائهم في محور المقاومة) وبين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو. هذه المواجهة، التي تجاوزت الطابع الاقتصادي والدبلوماسي لتصل إلى احتكاكات عسكرية وسيبرانية وأمنية واسعة، تعكس تحوّلًا جوهريًا في موازين القوى العالمية.
المشهد الدولي اليوم لم يعد يقوم على "القطب الأوحد"، بل باتت معادلة التعددية القطبية هي السائدة، حيث تتشابك فيها عناصر القوة الصلبة (العسكرية) والناعمة (الاقتصادية والتكنولوجية والإيديولوجية) في إطار صراعٍ مفتوح على مستقبل النظام الدولي.
أولاً: الحرب الروسية – الأطلسية وتداعياتها العالمية
• الميدان العسكري: شهدت الجبهات الممتدة من شرق أوكرانيا وحتى البحر الأسود انتقالًا من "حرب استنزاف" إلى حرب إرادات استراتيجية، حيث تسعى روسيا الاتحادية لإثبات قدرتها على تحدي بنية الناتو العسكرية، ورغم ضخامة الدعم الغربي لكييف، أثبتت موسكو قدرتها على تحمّل الضغط وإعادة صياغة تكتيكاتها، ما عزز فكرة أن الحرب لم تعد مجرد نزاع إقليمي بل هي معركة هوية جيوسياسية بين الشرق والغرب.
• الاقتصاد والطاقة: أظهرت العقوبات الغربية حدود فعاليتها؛ إذ أعادت روسيا الاتحادية توجيه صادراتها من الطاقة نحو آسيا، لا سيما الصين الشعبية والهند، مما خلق منظومة اقتصادية موازية، وفي المقابل، تضرر الاقتصاد الأوروبي بشكل مباشر نتيجة أزمة الطاقة والاعتماد على الغاز الأمريكي بأسعار مرتفعة، وهو ما قوض مناعة الاتحاد الأوروبي.
• الأبعاد السياسية: تحوّل الصراع إلى اختبار لمدى متانة التحالفات الغربية. فبينما تتمسك واشنطن بخطاب "وحدة الصف الأطلسي"، تظهر التباينات بين العواصم الأوروبية التي تخشى من طول أمد الحرب وانعكاساتها الداخلية.
ثانياً: الدور الصيني وتوسيع الجبهة الشرقية
•الصين الشعبية تمارس سياسة "البراغماتية الاستراتيجية": فهي لا تدخل الحرب بشكل مباشر، لكنها تقدم دعماً اقتصادياً ولوجستياً مهماً، ما يسمح لروسيا الاتحادية والجمهورية الاسلامية بتخفيف ضغط العقوبات.
• على المستوى الأوسع، تستثمر بكين في مبادرة "الحزام والطريق" لتعزيز شبكة نفوذها الاقتصادي من آسيا إلى إفريقيا وأوروبا، مقدّمة بذلك بديلًا للنظام المالي الغربي القائم على الدولار.
• تنامي التنسيق العسكري – البحري بين موسكو وبكين في المحيط الهادئ يعكس استعداد المعسكر الشرقي لتوسيع نطاق الردع إلى ما وراء أوروبا.
ثالثاً: الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة
الدور الإقليمي:
• أثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها ركيزة أساسية في المعسكر الشرقي من خلال دعمها العسكري والتكنولوجي والسياسي لحلفائها، إضافة إلى تطوير صناعاتها الدفاعية المحلية رغم العقوبات.
• إنّ حضورها في ملفات الشرق الأوسط جعلها لاعباً لا يمكن تجاوزه في أي معادلة إقليمية.
محور المقاومة:
• يشكّل محور المقاومة امتداداً استراتيجياً للقدرة الايرانية الساندة له، حيث نجح في خلق مراكز ضغط متعددة على الكيان الصهيوني المحتل، سواء عبر المقاومة الفلسطينية أو عبر العمق اللبناني والسوري والعراقي واليمني.
• هذا المحور لا يكتفي بالبعد العسكري، بل يرسخ خطاباً سياسياً وإيديولوجياً يتقاطع مع رؤية المعسكر الشرقي في رفض الهيمنة الغربية.
البعد الدولي:
• مع تعزز العلاقات الإيرانية – الروسية – الصينية، بدا واضحاً أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أصبحت حلقة وصل تربط بين العمق الآسيوي والواجهة الشرق أوسطية للمعسكر الشرقي.
• نجاح طهران في الصمود أمام "آلية الزناد" الخاصة بالعقوبات الغربية، وتطوير بدائل اقتصادية مع شركائها الشرقيين، برهن على فشل الأدوات التقليدية للضغط الغربي. رابعاً: السيناريوهات المستقبلية (2026 – 2030)
تصعيد عسكري واسع: إمكانية توسع النزاع الروسي – الأطلسي إلى مسرح أوسع في البلقان أو البلطيق، ما قد يدفع إلى إعادة تعريف حدود الناتو وقدراته.
تبلور محور اقتصادي موازٍ: ازدياد الاعتماد على العملات المحلية والتبادلات خارج النظام المالي الغربي (خصوصاً اليوان والروبل والريال الإيراني)، ما يعزز التفكك التدريجي لـ "الدولرة".
تنامي دور محور المقاومة: استمرار الضغط على الكيان الصهيوني المحتل عبر جبهات متعددة، بما يربك الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
تعددية قطبية متوازنة: بروز نظام عالمي قائم على توازن الردع المتبادل، حيث لن يستطيع أي معسكر فرض هيمنته المطلقة، بل ستفرض التفاهمات المرحلية نفسها على الملفات الكبرى (الطاقة، التجارة، الأمن).
من خلال قراءة معمّقة لتطورات المشهد الدولي في الربع الأخير من عام 2025، يتضح أنّ العالم يقف على أعتاب تحوّل تاريخي يعيد تشكيل البنية الجيوسياسية والاقتصادية التي سادت منذ نهاية الحرب الباردة، وإنّ ما نشهده اليوم ليس مجرد حرب على جغرافيا محدودة، بل هو صراع على هوية النظام الدولي، بين معسكر غربي يسعى للحفاظ على هيمنة تآكلت أدواتها، ومعسكر شرقي يقدّم نفسه بديلاً
واقعياً يمتلك القدرة على الاستمرار والصمود ومن ابرز ما استنتجت:
• روسيا الاتحادية أثبتت أنها ليست مجرد قوة عسكرية تقليدية، بل مركز ثقل استراتيجي قادر على تحدي البنية الأطلسية.
• الصين الشعبية رسّخت نموذجها الاقتصادي كخيار بديل، مستندة إلى قوتها الصناعية والتكنولوجية وشبكة تحالفاتها التجارية.
• الجمهورية الإسلامية الإيرانية أظهرت أن قوة الإرادة والاعتماد على الذات، إلى جانب الاستثمار في تحالفات إقليمية (محور المقاومة) ودولية (روسيا الاتحادية والصين الشعبية)، يمكن أن يحولها إلى لاعب إقليمي – دولي ذي تأثير استراتيجي.
وبالنهاية إنّ التوازن الجديد لا يقوم على إسقاط أحد المعسكرين بقدر ما يقوم على فرض شراكة قسرية في إدارة النظام الدولي، ما يعني أننا أمام مرحلة تتسم بالمرونة والاضطراب في آنٍ معاً، وعليه يمكنني القول إنّ السنوات الخمس المقبلة ستشهد تعددية قطبية مكتملة الملامح، تُعيد تعريف مفاهيم السيادة والتحالفات والشرعية الدولية.
الخاتمة
يدخل العالم اليوم مرحلة إعادة التوازن الجيوسياسي بين معسكرين؛ أحدهما يسعى إلى الحفاظ على هيمنة امتدت لعقود، والآخر يطمح إلى صياغة نظام عالمي أكثر تعددية وعدالة. في قلب هذا الصراع يقف المعسكر الشرقي بقيادة روسيا الاتحادية والصين الشعبية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، مدعوماً بمحور المقاومة، ليؤكد أن موازين القوى لم تعد كما كانت، وأنّ العقد القادم سيكون عقد التحولات الكبرى نحو شرقٍ أكثر حضوراً ونفوذاً.