الثلاثاء 22 تموز 2025 - 15:06
رقم : 4207
إيران تلكس - تشهد محافظة السويداء تطورات متسارعة لم يعد ممكنًا قراءتها في الإطار المحلي فقط، بل باتت تعبّر عن تباين واضح بين استراتيجيتين متنافرتين: أميركية وإسرائيلية. فبينما يُفترض عادة أن الطرفين يتحركان ضمن سياسة موحّدة في سوريا، تشير الوقائع اليوم إلى تباين عميق في الرؤية تجاه شكل الدولة السورية، ودور الأقليات فيها، وعلى رأسها الطائفة الدرزية في الجنوب.
أميركا، الكيان المؤقت والجنوب السوري: خلاف المصالح فوق ركام السويداء
فمن جهة، تدعم الولايات المتحدة بقاء سوريا موحّدة شكليًا تحت حكم مركزي غير معادٍ للغرب، وهي اليوم تتجه ميدانيًا نحو تقوية نفوذ "الجولاني"، الذي نجح في إعادة تصدير نفسه من زعيم لتنظيم متشدد إلى رأس مشروع "الحكم المحلي" في إدلب وما حولها، ثم توسّع مؤخرًا باتجاه ملفات الجنوب السوري.

لجولاني، الذي برع في تبديل جلود الخطاب والتكتيك، بات يُستخدم كأداة أميركية لفرض معادلات جديدة في سوريا، بما يضمن الحد من النفوذ الإيراني، واستنزاف النظام المركزي من دون إسقاطه تمامًا.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن سوريا كاملة – بالمعنى الجغرافي – خيرٌ من سوريا مجزّأة، شرط أن تبقى في حال من التنافر الداخلي القابل للإدارة، لا في حال توحّد فعلي.

فالدولة الموحدة تتيح الحد الأدنى من الاستقرار اللازم لمشاريع النفوذ الأميركية، وتقلّل من تدخل الخصوم كإيران، بينما الحفاظ على التشظي الواقعي يمكّن واشنطن من إدارة المشهد من خلف الستار دون كلفة مباشرة.

لكن هذا التوجه يصطدم بالرؤية الإسرائيلية التي طالما فضّلت سوريا المفككة على سوريا المركزية، ولو كانت موالية للغرب.

تل أبيب ترى أن وحدة سوريا، حتى لو كانت شكلية وتحت نفوذ أميركي، تُعيد الجيش السوري والقرار السيادي إلى المشهد، ما يشكّل خطرًا على أمن حدود الجولان ويهدد منظومتها الأمنية على المدى البعيد.

لذلك، تحرص إسرائيل على دعم النزعات الانفصالية في الجنوب، خصوصًا بين بعض الزعامات الدرزية، وتشجع توجهًا نحو "استقلال إداري" على الأقل، كمنطقة عازلة محايدة خارج سلطة دمشق، وربما خارج تأثير الجولاني أيضًا الامر الذي سيمهد الى التقسيم فيما بعدارتكاز مشروع ممر داوود.

هذا ما يفسر دعم تل أبيب الضمني لتحركات السويداء، مقابل دعم واشنطن الصريح للجولاني كمشروع وظيفي. ويُرجّح أن يكون ما يجري الآن في الجنوب السوري انعكاسًا لخلاف أميركي–إسرائيلي حول مستقبل سوريا، أكثر منه تجلّيًا لصراع داخلي محض. في خضم هذا التنازع، قدّم الجولاني نفسه كقائد أمر واقع، لكنه سرعان ما انقلب على حلفائه المؤقتين، ومنهم بعض زعامات الدروز، الذين توهّموا أن بإمكانهم ضمان مصالحهم من خلال رهانات خاطئة.

لقد تناسوا تاريخهم الفاطمي الطويل، وغفلوا عن كونهم خصمًا تقليديًا للبيزنطيين، ما يجعل تحالفهم مع أميركا – وريثة المشروع البيزنطي الجديد – أمرًا محفوفًا بالمخاطر. إن الطائفة الدرزية حملت دم الشهيد رفيق الحريري على القميص الخطأ ووقفت ضمن تكتل 14 آذار في مشروع أميركي يستهدف اتهام المقاومة لإسقاطها، وبهذا انحازت ضد محور المقاومة وضد مصالح الأمة، متوهمةً أن هذا الموقف سيكفل لها الحماية والمكاسب، لكنها أخطأت في حساباتها بشكل فادح.

الدروز بالامس لوحوا بالقميص العثماني أمام الدولة( العلوية ) التي طالما ضمنت حيادهم، يجدون أنفسهم بين مطرقة الخيانة وسندان المشروع الأموي المتجدد بين اخراجهم من المجتمع العربي و الاسلامي بتهمة الاستعانة بالعدو و بين استسلامهم المكلف و الدموي للأمريكي الجولاني الذي لا يخفي تطلّعه لأن يكون "ملكا امويا" معاوية الجديد: يعقد الصفقات مع أعداء الأمّة ليظفر بعرش كل بلاد الشام !!!!، ويقدّم الأقليات قربانًا للسلطة.

إسرائيل، في المقابل، لا ترى في الجولاني حليفًا مضمونًا على المدى الطويل، وتخشاه أكثر من خصومه لعلمها بعمق المعنى للدولة الاموية المتحالفة مع القياصرة الجدد، لأنها تدرك أنه إذا ما استقر له الحكم أو توسّع أكثر، فإنه سيضطر – ولو لأسباب داخلية – إلى إعادة إنتاج شكل من السيادة قد يهدد أمنها لاحقًا مستخدما ضمانة مصالح الغرب كمفتاح و عذر.

لذلك، تفضّل إسرائيل دعم جيوب الانفصال وتثبيت حالة اللامركزية، ولو عبر مشاريع ظاهرها مدني، وباطنها أمني صرف. في هذا التنازع، أخطأ الدروز التقدير. لم يقرأوا فقه اللحظة ولا تاريخهم جيدًا.

فالتحولات الجيوسياسية ليست مجرد تحالفات عابرة، بل تقاطعات عميقة بين مشاريع متضادة. ومن هنا، فإن مصير السويداء قد لا يُحسم داخليًا، بل سيكون مرآة للتفاهم أو التصادم بين واشنطن وتل أبيب. لا نصيحة تُجدي الآن.

لا بد من أن ينتهي "لغربال الذي فرضه حكام الدروز على انفسهم"، وتتمايز الصفوف بين من يرتضي أن يكون أداة لإسرائيل، ومن يسعى لأن يبقى في صلب النسيج الفقهي و العقائدي السليم. أما نحن، فعلينا تحصين أنفسنا، ومراقبة الرياح المتشابكة التي تهبّ من كل اتجاه.

إننا في زمن طواحين القدر، فلا مفرّ من الحذر.!!
 
https://www.irantelex.ir/ar/article/4207/
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني

أحدث العناوين
الأكثر قراءة