الأربعاء 23 تموز 2025 - 00:05
رقم : 4229
إيران تلكس - كانت مقابلة السيد عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، المعروفة بكونها وسيلة إعلامية مقربة من دونالد ترامب، على الرغم من احتوائها على رسائل رئيسية وإيجابية، إلا أنها تضمنت أخطاء استراتیجیة قد يؤثران سلبًا على موقف إيران، حتى في المفاوضات المستقبلية المحتملة.
عراقجي وفن الرد الصحيح، في الساحة الخاطئة
بشكل أساسي، على أي دبلوماسي في ميدان معركة الروايات أن يغير ساحة اللعب قبل أن يجيب على السؤال. إذا كان السؤال في ساحة العدو، فإن أي إجابة، مهما كانت منطقية ودقيقة، ستؤدي في النهاية إلى الخسارة.وهنا بالضبط كشف عراقجي عن نقطة ضعفه.

أشار عراقجي في هذه المقابلة إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بمنشأة فوردو والوقف العملي للتخصيب. على الرغم من تأكيد عراقجي في جزء من تصريحاته على حق إيران في التخصيب، إلا أن قوله: "تلقينا ضربة قاسية وتوقف التخصيب عمليًا" كان من موقف ضعف ومبالغًا فيه، لأن حتى ترامب والمسؤولين الأمريكيين على الأرجح على علم بحقيقة الأمر. 

التعبير عن مثل هذه المواقف عشية المفاوضات قد يُفسر على أنه إشارة إلى مرونة مفرطة ويشجع الطرف الآخر على زيادة الضغوط. 

أظهر رد فعل ترامب السريع، الذي قال: "إذا لزم الأمر، سنضرب مرة أخرى"، أن الولايات المتحدة اعتبرت هذه التصريحات علامة ضعف من جانب إيران. بينما كان يجب على إيران، بالتأكيد على قدرتها الردعية واستمرارية برنامجها النووي، الدخول في الحوار من موقف أقوى، فإن هذا النهج قد يعزز خطاب العقوبات والضغط في واشنطن.

في جزء آخر من المقابلة، وفي رده على حكم "المحارب" ضد ترامب ونتنياهو، نسب عراقجي هذا الإجراء إلى "المجموعات المتطرفة". 

هذا في الوقت الذي تشير فيه التهديدات العلنية للقيادة الإيرانية من قبل المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، واغتيال العلماء النوويين، والهجوم على اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي، والمحاولة الفاشلة لاغتيال مسؤولين رفيعي المستوى ورؤساء السلطات الثلاث، إلى إرهاب الدولة وحرب نفسية وأمنية شاملة ضد إيران. 

بدلًا من أن يحتج عراقجي بموقف هجومي على هذه الأعمال الإرهابية، أوجد بتحديد ردود الفعل الشعبية بـ "المتطرفين" انطباعًا بأن الحكومة الإيرانية ليست موحدة في مواجهة تهديدات العدو. 

في حين أن هذه الردود كانت استجابة طبيعية للاعتداءات الأمريكية والإسرائيلية الواضحة. قد يعزز هذا الموقف دافع العدو لزيادة الضغوط والاغتيالات، لأنه يظهر أن إيران ليس لديها ميل دبلوماسي للرد بشكل حاسم.

ففي قضية السؤال حول كون إيران إرهابية، دخل المذيع الأمريكي بالسؤال مستخدمًا تقنية قديمة تُعرف بـ "فرض الفرضية المسبقة". أي أنه ألصق تهمة الإرهاب أولًا، ثم طلب من عراقجي أن يبرئ نفسه!

لكن عراقجي، بدلًا من تحدي ساحة اللعب، دخل نفس الساحة وقال "لسنا إرهابيين" وهكذا...

بينما كان السلوك الذكي هو ألا يجيب على هذا السؤال السخيف للمذيع، بل كان يجب عليه أن يسأل المذيع: ما هو تعريفكم للإرهاب؟ وبعد إجابة المذيع الواضحة،
كان يمكنه أن ينتقل إلى جرائم غزة والأعمال الإرهابية الإسرائيلية في غزة، ويثبت أن الإرهابي هو إسرائيل وداعموها وليست إيران!

أو كان يمكنه أن يسأل المذيع: إذا كان من يدافع عن أرضه إرهابيًا، فماذا كانوا آباؤكم في حرب استقلال أمريكا؟ وأسئلة من هذا القبيل...

باختصار، الاحترافية كانت تقتضي أن يرد عراقجي على السؤال الخاطئ بسؤال آخر. فكما علمنا كبار المفاوضين، إذا أجبت على سؤال خاطئ، حتى لو كانت إجابتك صحيحة، فستكون النتيجة خاطئة.

وفي الرد على ادعاء "زوال إسرائيل"، قال عراقجی: "نحن لا نسعى إلى محو إسرائيل..."

بينما كان يمكنه الرد بالاستناد إلى التصريحات الواضحة للامام الخامنئي(دام ظله) حيث قال:
"نحن نعتقد أن النظام الإسرائيلي المزيف محكوم عليه بالزوال، ولكن ليس بإلقاء اليهود في البحر، بل من خلال استفتاء حر بمشاركة جميع الفلسطينيين والشعب الفلسطيني الأصيل، بمن فيهم المسلمون والمسيحيون واليهود، ليقرروا بأنفسهم أي حكومة ستحكم أرضهم".

بهذه الإجابة الكاملة والدقيقة والمنطقية، كان يمكن لعراقجي أن يعلن عن آمال الثورة والشعب الإيراني الثوري الذي يرغب في زوال إسرائيل، وفي نفس الوقت أن يقدم كدبلوماسي إجابة لا تعطي ذريعة للآخرین.

تلك الجملة نفسها التي أصبحت لسنوات عديدة، ليست فقط السياسة الرسمية والمنطقية والمقبولة للجميع في الجمهورية الإسلامية، بل نموذجًا للعدالة في العالم.

مع كل هذا، يجب ألا ننسى أن عباس عراقجي هو الدبلوماسي نفسه الذي، عندما تصاعدت التهديدات، صعد بشجاعة على متن الطائرة وهبط في وسط بيروت. في الأيام التي لم يكن الكثيرون حتى يجيبون على اتصالات لبنان، ذهب هو ليظهر أن الدبلوماسية الشجاعة هي الذراع الأخرى للمقاومة.

إذن، يجب أن نكون منصفين، الخطأ ليس في خط عراقجي السياسي، بل في اختيار الكلمات والعبارات الصحيحة من جانبه.

فالدبلوماسية، أحيانًا، هي فن المبارزة بالكلمات، وليس فقط توقيع الاتفاقيات ومراعاة مبادئ أزرار الأكمام وطريقة المشي والجلوس والمصافحة و...

نحن من يجب أن نتعلم كيف نصرخ بصوت المظلوم في أرض العدو، وأمام كاميرا العدو، لا بالطريقة التي يرغبون في سماعها، بل بالطريقة التي تقتضيها الحقيقة.

لنكن حذرين ألا نقارن عراقجي بنيته بظریف، رغم أن ظریف قد يكون أكثر دهاءً في الرد، ولكن ليس بالضرورة لصالح الشعب الإيراني...

على الرغم من أن هذه المقابلة نقلت رسائل إيجابية مثل عدم قابلية حق إيران في التخصيب للمساومة، إلا أنها بسبب هذين الخطأين الاستراتيجيين، قد تصبح ذريعة للطرف المقابل بدلًا من تعزيز موقف إيران. 

يجب أن تعمل الدبلوماسية الإيرانية في الظروف الحساسة الحالية مع الحفاظ على المبادئ ومن موقع قوة لتجنب سوء الفهم.

أي إشارة إلى الضعف أو السلبية يمكن أن تؤدي إلى تصعيد العقوبات والتهديدات، بينما يعزز تقوية خطاب الردع بيئة أفضل حتى للمفاوضات المحتملة المستقبلية.

لم يتمكن عراقجي في هذه المقابلة من الحفاظ على التوازن اللازم بين المرونة الدبلوماسية والسلطة الوطنية. 

في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى استغلال أي إشارة ضعف، يجب على إيران في الحوارات الإعلامية ضبط مواقفها بدقة أكبر لمنع تعزيز خطاب الضغط من قبل الطرف المقابل.
 
https://www.irantelex.ir/ar/article/4229/
الإسم الثلاثي
البريد الإلكتروني

أحدث العناوين
الأكثر قراءة