إیران تلکس - في خطوة هامة وكاشفة تُبرز تصاعد الضغوط الأمريكية على بغداد، أعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن الولايات المتحدة أدرجت ست جماعات مسلحة عراقية على قائمة "الجماعات المحظورة"، ما يمنعها فعليًا من المشاركة في الحكومة العراقية المقبلة.
يُعدّ هذا الكشف، الذي جاء في مقابلة تلفزيونية، الخطوة الأكثر واقعية وفعالية سياسيًا من جانب واشنطن في حملتها الطويلة للحد من نفوذ الجماعات التي تعتبرها "وكلاء لإيران"، وهي خطوة تعتبرها أساسية لما تسميه "علاقات صحية" وتواصل دبلوماسي ناجح بين العراق والمجتمع الدولي.
في مقابلة مع قناة الحدث، أوضح وزير الخارجية العراقي موقفًا أمريكيًا جديدًا وصريحًا يتجاوز التحذيرات العامة إلى الإقصاء السياسي المباشر. قال فؤاد حسين: "أدرجت الولايات المتحدة ست جماعات مسلحة عراقية على قائمة الجماعات المحظورة؛ جماعات لا يمكنها المشاركة في الحكومة العراقية المقبلة".
تشير هذه التصريحات إلى تغيير حاسم في سياسة واشنطن. وشرح المنطق الكامن وراء هذه الخطوة غير المسبوقة، موضحًا أن هدف واشنطن هو تمكين بغداد من العمل على الساحة العالمية دون الاعتماد على مؤسسات تُقوّض سيادتها ومكانتها الدولية. وأضاف وزير الخارجية: "تعتقد الولايات المتحدة أنها اتخذت هذا القرار ليتمكن العراق من بناء علاقات دبلوماسية ناجحة مع المجتمع الدولي والتفاعل بسهولة مع جميع الدول".
هذا التطور الملحوظ، وإن كان تصعيدًا واضحًا في الضغط الأمريكي، إلا أنه ينبع من موقف راسخ وثابت؛ وهي نقطة أكد عليها فؤاد حسين مرارًا وتكرارًا. وأوضح أن هذه التحذيرات من واشنطن "ليست جديدة"، مشيرًا إلى أن هذه المخاوف تكررت مرارًا وتكرارًا في ظل إدارات أمريكية مختلفة.
وقال: "لقد حذرت الولايات المتحدة العراق مرارًا وتكرارًا في ظل الإدارة السابقة، وخاصةً من جماعات تتحفظ عليها الحكومة الأمريكية وتعتبرها تابعة لإيران ومدعومة منها". وتُعدّ تصريحاته في الواقع تأكيدًا رسميًا على نقطة خلاف أساسية ودائمة في العلاقات الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن؛ وهي نقطة خلاف وصلت الآن إلى مرحلة حرجة وحاسمة.
يُضفي إعلان وزير الخارجية العراقي الأخير معنىً وثقلاً جديدين على سلسلة المواقف والإجراءات القوية التي اتخذتها مختلف الجهات الحكومية الأمريكية. في وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية أحد أكثر بياناتها حزماً حتى الآن، داعيةً إلى وضع حدٍّ كامل لأنشطة الجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرة الحكومة العراقية.
وزعم بيان وزارة الخارجية الأمريكية، الصادر في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بعد محادثة هاتفية بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أن وزير الخارجية الأمريكي "شدد على ضرورة نزع سلاح الميليشيات المدعومة من إيران".
رافق هذا الضغط الدبلوماسي والسياسي حملة اقتصادية قوية. في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2025، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية حزمة عقوبات جديدة ومهمة على عدد من البنوك العراقية، أبرزها شركة المهندس. وصنف المسؤولون الأمريكيون الشركة المملوكة للدولة على أنها تابعة للحرس الثوري الإيراني وميليشيا كتائب حزب الله القوية، ووصفوها بالذراع الاقتصادي لقوات الحشد الشعبي.
أظهرت هذه الخطوة استعداد واشنطن لاستخدام نفوذها المالي لاستهداف البنية التحتية الاقتصادية التي تدعم هذه الجماعات بشكل مباشر وتضييق الخناق على أنشطتها. في ذلك الوقت، ردت الحكومة العراقية بحدة؛ حيث وصف المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي العقوبات بأنها "أحادية الجانب وغير مبررة"، وحذر من أن مثل هذه الإجراءات ستقوض "روح الشراكة" بين البلدين.
وتؤكد تصريحات وزير الخارجية العراقي الأخيرة استمرار هذا الضغط. كما صرّح في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي بأن موقف الولايات المتحدة من هذه الجماعات "واضح وثابت"، مضيفًا أن موقف واشنطن "ليس جديدًا ولا غامضًا".
جاءت هذه التعليقات فور توجيه واشنطن أقوى تحذير عسكري لها إلى بغداد في السنوات الأخيرة. أُعلن عن هذا التحذير في مكالمة هاتفية اتسمت بالتوتر بين وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيت ونظيره العراقي ثابت عباسي. ووفقًا لرواية عباسي للمكالمة التي استمرت إحدى عشرة دقيقة، والتي نُقلت عبر القائم بالأعمال الأمريكي في بغداد، حذّر هيغسيت الحكومة العراقية من أي تدخل للجماعات المسلحة في العمليات العسكرية الأمريكية المستقبلية "في المناطق القريبة من العراق"، واختتمها بجملة تهديدية: "هذا آخر تحذير لكم، وأنتم تعلمون جيدًا كيف سيكون رد فعل الحكومة الحالية".
اعتبر المراقبون السياسيون في بغداد هذا التهديد المباشر نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، ويعتقدون أن "صبر واشنطن الاستراتيجي" قد نفد.
ووصف الدكتور إحسان الشمري، رئيس المركز العراقي للفكر السياسي، هذا التحذير بأنه "نهاية مرحلة الاختبار" في النهج الأمريكي. وقال إن هذه الجماعات تواجه الآن خيارًا صعبًا: إما "التحالف مع الحكومة وإلقاء السلاح" أو تعريض نفسها "لعمل عسكري أمريكي محتمل".
قدّم الخبير الأمني مخلد حازم تحليلًا مشابهًا في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط، قائلًا: "من الواضح أن الاستعدادات العسكرية جارية في المنطقة، ومن المرجح أن تشمل غارات جوية منسقة ضد جماعات ما تسمى"المدعومة من إيران".
هذه الحملة متعددة الأوجه والمنسقة، بما في ذلك التهديدات العسكرية والضغوط الدبلوماسية والعقوبات القاسية، وضعت حكومة محمد شياع السوداني في موقف حساس وهش للغاية. يضم ائتلافه الحاكم، المعروف باسم "إطار التنسيق الشيعي"، مجموعة واسعة من القوى، بعضها هي نفسها الجماعات التي صنفتها واشنطن رسميًا كأعداء وأدرجتها على قائمة "المنظمات المحظورة".
هذا الواقع يعني أن رئيس الوزراء يواجه مأزقًا خطيرًا بين ضرورات التعامل مع أهم شريك استراتيجي دولي للعراق، من جهة، وضرورة الحفاظ على ائتلافه الحاكم في الداخل، المتأثر بشدة بهذه الجماعات المسلحة نفسها، من جهة أخرى.
وقد أدى توقيت هذا التصعيد في الضغوط، عشية الانتخابات البرلمانية العراقية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى تعقيد الوضع السياسي في البلاد، وإضافة ضغوط خارجية هائلة على البيئة الداخلية الهشة في بغداد.
وصف المحلل السياسي عباس عبود سالم الاستراتيجية الأمريكية بأنها مثالٌ كلاسيكي على سياسة "الترغيب والترهيب". وحسب قوله، فإن المكالمة الهاتفية نفسها التي وجّه فيها وزير الحرب الأمريكي "إنذاره الأخير" ناقشت أيضًا استمرار التعاون الأمني والاستخباراتي، والعمليات المشتركة للطائرات المسيرة، وتسليم مروحيات بيل إلى العراق.
يهدف هذا النهج المزدوج، الذي يعرض التعاون ويهدد بالعقاب في آنٍ واحد، إلى إجبار بغداد على اتخاذ خيار نهائي بين الولاء لشركائها الدوليين، وخاصة الولايات المتحدة، أو الاستمرار في التسامح مع الجماعات المسلحة القوية العاملة داخل العراق.
يُمثّل كشف فؤاد حسين عن حظر ست من هذه الجماعات رسميًا من تولي مناصب حكومية البعدَ الأبرز في هذه السياسة الأمريكية؛ وهو إجراءٌ يُحوّل التحذيرات المجردة إلى عقبة سياسية ملموسة، ويُغيّر تمامًا معادلة تشكيل أي حكومة عراقية مستقبلية، ويُشكّل تحديًا مباشرًا لهيكل السلطة الحالي في البلاد. تُظهر تصريحاته أن عصر التحذيرات المبهمة قد ولّى، وأن العراق دخل الآن مرحلةً جديدةً وأكثر حسمًا في علاقاته مع الولايات المتحدة؛ مرحلةً قد تُغيّر المشهد الأمني في البلاد جذريًا.
هذا وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحفي عُقد يوم الاثنين 3 نوفمبر/تشرين الثاني، ردًا على سؤال حول المساعي الأمريكية للتأثير على العلاقات بين طهران وبغداد: "في كل حوار نجريه مع دول الجوار، بما فيها العراق، نناقش بالتأكيد قضايا الأمن الإقليمي والقضايا المتعلقة بالأمن القومي للبلدين. وفي هذا السياق، نعتبر هذه التهديدات الأمريكية تدخلاً في الشؤون الداخلية للعراق، وخاصة عشية الانتخابات، بهدف إثارة التوتر والتأثير على العمليات الداخلية لدولة مستقلة.
وأضاف: "لا شك أن مثل هذه التهديدات تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية ومبدأ احترام استقلال العراق، كما أنها تعكس الطبيعة التدخلية والعدوانية للولايات المتحدة الأمريكية. ولن تؤثر هذه الإجراءات والتصرفات التحريضية على عزيمة الشعب العراقي، الشعب الذي عازم على اتخاذ القرارات والتصرف بناءً على ما يراه في مصلحته العليا وأمن بلاده".